ترمب الواقعي: هل يبني حدودا جديدة لاستخدام القوة الأمريكية؟!

دونالد ترمب (الأناضول)

كلما اقترب موعد الانتخابات الأمريكية تزايدت التوقعات حول تأثيرها في مستقبل العالم، وركزت وسائل الإعلام اهتمامها على تحليل هذه الانتخابات وتفسير خطاب المرشحين.

لكن المقال الذي كتبه أندرو بايرز زميل مركز الاستراتيجية بجامعة تكساس وراندال شويلر أستاذ العلوم السياسية بجامعة أوهايو -ونشرته مجلة الشؤون الخارجية ( فورين أفيرز)- يمكن أن يسهم في بناء تصور جديد للأحداث التي يمكن أن يواجهها العالم إذا فاز ترمب؛ فكيف يمكن أن يشكل علاقات أمريكا بدول العالم؟!

لتقديم إجابة جديدة عن هذا السؤال يقدم المقال عرضا تاريخيا لتصور الرؤساء الأمريكيين لقوة الولايات المتحدة، واستخدامها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتحول العالم إلى نظام أحادي القطب يخضع للسيطرة الأمريكية؛ حيث أصبحت أمريكا الفاعل الوحيد في العالم بلا منافس، وتمتلك قوة هائلة.

لقد شكلت تلك الفرصة التاريخية لرؤساء الولايات المتحدة منذ عام 1992 إغراء لتوسيع النفوذ العالمي الأمريكي، فعملت واشنطن، التي أسكرها غرور القوة على توسيع حلف الناتو، بضم دول أوروبا الشرقية من دون الاهتمام بالقلق الروسي، وإنشاء منظمة التجارة العالمية من دون الاهتمام بتأثيرها في السيادة القومية للدول.

كان صناع القرار يرون أن سيطرة أمريكا تشكل مصلحة لها وللعالم؛ لذلك يجب أن تفرض أمريكا قيمها، وتقنع الدول بأنه عندما تكون القوة العالمية في أيدي أمريكا؛ فذلك يحقق مصالح كل الدول، وانهيارها سيعني انهيار العالم كله، وأن أمريكا تبني نموذجا للنجاح يقوم على الحرية والديمقراطية، وأنها تقود العالم إلى مواجهة العنف والإرهاب.

لكن ذلك لم يكن مقنعا للقوى الصاعدة التي بدأت تدرك أن السيطرة الأمريكية تتعارض مع مصالحها؛ حيث قللت أمريكا من مكانة الصين وقوتها، وأدركت أمريكا عام 2017 أن دمج الصين في النظام الدولي فشل، فهي قوة تعمل لتشكيل العالم بما يتعارض مع مصالح أمريكا وقيمها.

فشل السيطرة الأمريكية

لذلك ظهرت مؤشرات على فشل السيطرة الأمريكية على النظام العالمي؛ حيث أدرك صناع القرار أن أمريكا وفرت الأمن والمساعدات الاقتصادية للحلفاء الأوربيين؛ لكن بعد أن انهار الاتحاد السوفيتي لم يعد هناك معنى لتحمل الولايات المتحدة أكثر من 70% من نفقات حلف الناتو. لذلك بدأ الناخبون الأمريكيون يتحولون عن المرشحين الذين يتبنون سياسة خارجية توسعية، وهذا يفسر فوز ترمب الذي يركز على المصالح الأمريكية الضيقة.

فخلال فترة رئاسته الأولى أثبت ترمب تميزه عن الرؤساء الأمريكيين السابقين؛ فهو يريد استخدام قوة أمريكا لتحقيق مصالحها الاقتصادية، وكان ترمب واقعيا لا يهتم بالآراء الأيديولوجية والمثالية والقيم في الشؤون الدولية. لكنه لم يتمكن من تنفيذ خططه بسبب صقور الأمن القومي الذين رفضوا رؤيته، خاصة أنهم يتحكمون في الحزب الجمهوري، ويريدون فرض السيطرة الأمريكية على العالم.

على سبيل المثال يرفض ترمب تقديم المزيد من المساعدات لأوكرانيا، ويرى أن الدول الأوروبية يجب أن تدفع تكاليف حماية أمنها. وأعلن بوضوح أنه سيدع روسيا تشق طريقها إلى المجتمع الأوروبي لأن دول أوروبا لا تدفع سوى 2% من تكاليف حلف الأطلسي، وعندما سأله قائد الحلف: إذا لم ندفع وهاجمتنا روسيا: ألن تقوم بحمايتنا؟!! رد ترمب: لا لن أحميكم.

ترمب يكسب.. لماذا؟!

هناك مؤشرات على أن ترمب يكسب عقول الناخبين المحافظين وقلوبهم بسبب رؤيته الواقعية التي تركز على المصالح القومية الأمريكية؛ ففي الاستطلاع الذي أجراه مجلس الشؤون الخارجية بشيكاغو فضل 53% من الجمهوريين أن تظل أمريكا خارج الشؤون العالمية؛ ذلك أن تكاليف المحافظة على دور الولايات المتحدة في العالم أكبر من الفوائد التي تحققها.

وهذا يتفق مع شعار ترمب “أمريكا أولا”، الذي يعني العمل على تحقيق المصالح الأمريكية، وعدم نشر القوات الأمريكية في الخارج، وأن يتحمل الحلفاء مسؤولية حماية أمنهم.

في فترة رئاسته الأولى حاول ترمب أن يتجنب استخدام القوات الأمريكية في صراعات جديدة مع الصين وكوريا الشمالية وروسيا وإيران، وفي دورته الرئاسية القادمة سيحاول الانسحاب من الالتزامات في الشرق الأوسط، ويطالب الحلفاء في آسيا وأوروبا بدفع تكاليف حماية أمنهم.

ويتضمن برنامج ترمب عدم الاعتماد على المصادر الخارجية للطاقة، والعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من النفط.

وهذا سيؤدي إلى تقليل أهمية دول الخليج؛ إذ لم تعد أمريكا تحتاج إلى تدفق النفط من هذه الدول؛ ولذلك لن تهتم بالصراع السعودي الإيراني، ولن تحتاج إلى المحافظة على وجود قوات أمريكية في منطقة الخليج، وسيقوم ترمب بسحب القوات الموجودة في عشرات القواعد في العراق وسوريا.

كما سيتجنب ترمب استخدام أية قوة عسكرية لأنه يتعامل مع المشكلات العالمية بمنظور اقتصادي.

غزو الدول اقتصاديا

يقول ترمب إنه سيعمل على غزو الدول اقتصاديا، خاصة إيران، فأمريكا تمتلك قوة اقتصادية هائلة. فلماذا أستخدم الوسائل العسكرية إذا كان يمكنني حل المشكلات بوسائل اقتصادية مثل العقوبات والجمارك والدولار والسيطرة على الشبكات الاقتصادية العالمية؟

إن استراتيجية ترمب تقوم على منع الصراعات وليس مواجهتها، وسيتجنب أي عوامل تؤدي إلى الصراع مع الصين وروسيا، كما سيدفع إسرائيل إلى التعاون مع حلفائه العرب لمواجهة إيران، ويسحب قواته من الشرق الأوسط، ولذلك سيسبب ترمب صدمات للكثير من حلفائه.

المصدر : الجزبرة مباشر