الرهان الخاسر على رؤساء أمريكا!

المرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن يستمع للمرشح الجمهوري دونالد ترمب خلال مناظرتهما (رويترز)

يؤكد الواقع يوما بعد يوم حقيقة خطأ الرهان على الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بقضايا المنطقة العربية، خاصة القضية الفلسطينية.

ويُعَدّ من قبيل خداع النفس وشراء الوهم الرهان على أي رئيس لأمريكا لتغيير السياسات اتجاه المنطقة، وإحداث تغيير إيجابي في قضاياها المصيرية.

في المناظرة الأخيرة بين مرشحي الانتخابات الرئاسية الأمريكية؛ الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترمب، في 28 يونيو/حزيران، لم يفوت المرشحان أي فرصة لإعادة التأكيد على دعمهما المطلق لإسرائيل، وذلك فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لأمريكا، التي حظيت نوعا ما بقدر من الاهتمام في هذه المناظرة، خلافا لمناظرة المرشحين في انتخابات 2020.

ومن المعلوم أنه ما من رئيس أمريكي إلا ويؤكد في برنامجه للسياسية الخارجية التزام بلاده بالمحافظة على أمن إسرائيل، وهذا أمر دأب على ترديده جميع الرؤساء الأمريكيين منذ عام 1967.

وبالنظر في موقف الإدارات الأمريكية اتجاه القضية الفلسطينية، فإن سجل الإدارة الحالية بقيادة بايدن ضد القضية الفلسطينية قد تجاوز بمراحل سياسات الإدارة السابقة بقيادة ترمب، إذ أصبحت أمريكا شريكا كاملا في حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة.

بالعودة قليلا إلى الوراء، وانتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2020، سنجد أن هذه الانتخابات قد حظيت باهتمام غير مسبوق في المنطقة العربية؛ وذلك ليس فقط للمنافسة الشديدة وقتها بين جو بايدن وترمب، ولكن أيضا لوجود مراهنين على كلا المرشحين.

وكان اللافت للنظر أكثر ذلك الفريق الذي راهن على المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن.
بعد إعلان فوز بايدن، سرت حالة من التفاؤل لدى أولئك الذين كانوا يعتقدون أن فوزه سينعكس بالإيجاب على المنطقة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وغير ذلك من القضايا.

ومن ناحية أخرى، سادت حالة من التخوف والترقب لدى المراهنين على ترمب، خاصة أولئك الذين رسموا سياساتهم اعتمادا على بقائه.

بين الخطاب الانتخابي والسياسات الاستراتيجية

كان المراهنون على بايدن، ومن قبله الرئيس السابق أوباما، الذي كان بايدن نائبا له، يبررون تفاؤلهم بفوزه انطلاقا من فكرة المنطقة الرمادية في السياسة، وإمكانية أن يحدث تغيير إيجابي في القضايا العربية الرئيسية، وفي المشهد الحقوقي والديمقراطي!

في ذلك الوقت طرحت بعض الأسئلة، أعتقد أن مرور الوقت تكفل بالإجابة عنها جميعا. وكان من بين هذه الأسئلة سؤلان، هما:

أولا: هل حقا من الممكن أن ينعكس فوز المرشح الديمقراطي بالرئاسة الأمريكية بالإيجاب على القضايا العربية؟
ثانيا: لماذا تراهن النخب العربية على الخارج، وخاصة على الولايات المتحدة الأمريكية لإحداث تغيير في المنطقة وحلحلة قضاياها الرئيسية؟

لقد تكفل الواقع الذي تعيشه المنطقة العربية الآن بالإجابة عن أسئلتنا، وتأكيد ما سبق استشرافه لمآلات فوز بايدن، إذ أشرنا إلى أن النخب العربية المعوّلة على الساكن الجديد للبيت الأبيض وقعت في فخ الخلط بين الخطاب السياسي والاستراتيجية، كما حدث من قبل مع أوباما، ورأى هؤلاء أن بايدن سيكمل سياسة أوباما، وكأن الأخير كان يعمل لمصلحة شعوب المنطقة؛ رغم أن المنطقة العربية في الواقع عرفت – ليس فقط على أيدي نظم في المنطقة؛ ولكن على يد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها- انتهاكاتٍ غير مسبوقة، وسحقا لإرادة الشعوب، وضربا للتحول الديمقراطي، وتوسعا في الاستيطان الإسرائيلي في الأرض المحتلة، والإبادة على أساس عرقي ومذهبي، كل ذلك كان في فترة أوباما، الذي كان بايدن نائبا له.

لقد كان التصور المفرط في التفاؤل اتجاه الرئيس المنتخب “بايدن” خطأ في التحليل؛ إذ تجب التفرقة بين حالتين أساسيتين، هما: الخطاب السياسي والانتخابي بغرض جلب أصوات الناخبين، وبين السياسات الاستراتيجية التي يخضع لها الجميع، ويعملون بناء عليها.

ما بين بايدن وترمب!

من جديد تعود ثنائية بايدن وترمب، وتتواصل مسيرة سماسرة الخديعة، من ترومان إلى بايدن، وتستمر اللغة المراوغة والمخادعة، وقصة قهر الشعب الفلسطيني وإهدار حقوقه.

إن الحقيقة الدامغة، هي: أن أي رئيس لأمريكا لا يمكن أن يتعامل مع المنطقة العربية إلا بما يضمن مصالح بلاده واستمرار هيمنتها، ويضمن أمن إسرائيل، وسواء بقي بايدن أو عاد ترمب فإن الأمر لن يختلف؛ فهذه استراتيجية لا يحيد عنها رئيس أمريكي.

وما يجب أن يُدرك بوضوح، هو: أن السياسة الخارجية الأمريكية تنطلق من قاعدة مؤسساتية، وإن كان للرئيس -سواء كان جمهوريا أو ديمقراطيا- هامش مناورة؛ إلا أن ذلك في إطار الالتزام باستراتيجية ضابطة للمخرجات السياسية، سواء كانت طريقة التنفيذ تقليدية أو استثنائية.

إضافة إلى ذلك، هناك نفوذ اللوبي الصهيوني المناصر لإسرائيل، والحسابات الانتخابية؛ كل هذا يدفع أي إدارة أمريكية إلى اعتماد سياسات لا تخرج عن المصالح الإسرائيلية.

وإذا استمر بايدن صاحب الوجه الناعم، وترمب صاحب الوجه الخشن، مرشحين للرئاسة، حتى موعد الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، فإن تكرار ثنائية بايدن وترمب يضع الجميع -خاصة فيما يتعلق بقضايا المنطقة العربية، والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص- أمام خيارٍ أكثر ما يعبر عنه قول أبي فراس الحمداني:

وقال أُصَيْحابي: الفِرارُ أو الرَّدى؟  فقلتُ: هما أمرانِ، أحلاهما مُرُّ

وإن كان هناك من الناخبين الأمريكيين من يرى أنه خاسر بحصره في الاختيار بين بايدن وترمب؛ فإن هناك خاسرون على الدوام سواء استمر بايدن أو عاد ترمب، أو جاء غيرهما، فالرهان على أمريكا ورؤسائها طريق مسدود ورهان خاسر.

المصدر : الجزبرة مباشر