الدين والسياسية بين أبو حمالات وأبو تريكة

أبو تريكة (منصات التواصل)

الصحفي المصري إبراهيم عيسى، اشتهر بين جمهور “السوشيال ميديا” بأبو حمالات، نظرًا لارتدائه في جل برامجه وظهوره الإعلامي قميصًا فوقه حمالات، ولطرافة الشعب المصري المعروف بولعه بالنكتة والطرفة، أطلق عليه: أبو حمالات، تمييزًا له، وظل عيسى نفسه يضحك عندما تطلق عليه.

مؤخرًا كتب إبراهيم عيسى تغريدة على منصة “إكس” -تويتر سابقًا- تحمل تحريضًا يتنافى مع المهنية والأخلاق، ضد اللاعب المعروف والمحبوب محمد أبو تريكة، يرفض فيه آراء أبو تريكة التي يعلّق فيها على أحداث غزة، وأحداث أخرى تعليقًا على مواقف من ألمانيا في الدوري الأوروبي، ويربط بين الكرة وقضايا الأمة المعيشة، لكن عيسى لم يعلّق على رأي الرجل، سواء بالتصويب أو التخطئة، فراح يحرّض على القناة التي يعلّق فيها وهي: (بي إن سبورتس)، فينادي “الفيفا” باتخاذ موقف، ويحرّض القناة نفسها على اللاعب، ثم يتهمه بأن آراءه وراءها التمويل المالي.

حديث في الشأن العام:

يستنكر عيسى على أبو تريكة أنه يخلط الدين بالسياسة والرياضة، بينما حديث أبو تريكة لا علاقة له بالسياسة ولا بالدين بالمعنى التخصصي، فلا أبو تريكة حلل تحليلًا سياسيًا لما يعيشه الناس، ولا هو تكلم في الدين بمعنى الفتوى أو الخطبة أو الوعظ، أو الدين بالمعنى التعليمي.

كل ما فعله أبو تريكة أنه تحدث حديث المسلم أو العربي المهتم بقضايا أمته، أو بالشأن العام، الذي هو جزء منه، بحكم أنه عربي مسلم، وبحكم أنه رياضي معروف ومشهور، ويتأثر به الجماهير من حيث أخلاقه ومواقفه، فليس غريبًا عن الرياضي أن يكون له موقف أو رأي من أحداث بلاده أو أمته، وهو ما يمارسه كثيرون في الرياضة المصرية والعالمية.

رمتني بدائها وانسلت:

إبراهيم عيسى الذي يرفض حديث أبو تريكة عن القيم الإسلامية والعربية، بدعوى أنه ليس شيخًا ولا عالم دين، هو نفسه يمارس هذا الأمر، لكن بما يجمع عليه الجميع أنه تجاوز للتخصص، فكثيرًا ما يتحدث عيسى عن قضايا دينية متخصصة ودقيقة، ويخلط فيها خلطًا يدركه كل مختص، وإذا رد عليه المختصون وخطأوه وذكروه بأنه ليس مختصًا، رد عليهم برفع لافتة: الدين ليس كهنوتًا، وحرية الفكر مكفولة، بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فراح يتطاول على الصحابة، ويكتب عن رحلة الدم وتاريخه، متحدثًا في التاريخ عن مرحلة لها مكانتها في الدين الإسلامي، لأن هؤلاء الصحابة هم من حملوا الإسلام للناس، فالطعن فيهم ليس مجرد طعن في شخصيات غير معصومة دينيًا، لكن تناول الأحداث بعيدًا عن المنهج المنضبط يؤدي إلى نتائج لا تنم إلا عن نيات سيئة.

وبخاصة أن معظم هذه الحلقات التي قدمت على فضائيات، كشف الإعلامي حافظ الميرازي أنها كانت بدعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، لتقديم قضايا دينية على قناة (الحرة)، عن طريق برامج يقدمها إسلام البحيري وعيسى، وفق منهج معين، وأغراض معينة، وهي التهمة التي أراد أن يرمي بها أبو تريكة في تغريدته، رغم أن اللاعب لم يفعل سوى التعليق، ولم يقدم برنامجًا، وتعليقه يأتي حسب الأحداث التي تكون فجة، ولا يرى أنها تمر مرور الكرام منه، دون تعليق لا يستغرق سوى دقائق معدودة.

الأدهى في تحريض عيسى على أبو تريكة، أنه يتنافى مع ما يعلنه عيسى من دعوته للتنوير وحرية الفكر وإبداء الآراء، ويأتي التحريض من صحفي، كان مهددًا من قبل بالسجن في عهد مبارك، لمجرد حديثه عن صحته، هو نفسه الآن عندما امتلك وسيلة للهجوم، ووسيلة لقصف الأقلام، والعصف بالآراء، لم يتورع عن استخدامها، في أسوء استخدام، وأحط معركة ممكن أن يدخلها صاحب قلم.

لماذا الهجوم على أبو تريكة؟

الحملة على أبو تريكة ليست وليدة اليوم، وليست بدايتها من عيسى، بل هي حملة مستمرة، لأن مواقف الرجل ثابتة مع القضية الفلسطينية منذ زمن بعيد، منذ أن أحرز هدفًا في البطولة الإفريقية، ورفع “فانلته” المكتوب عليها: تضامنًا مع غزة، في وقت يخشى العالم من الصهاينة، ومن ردود أفعالهم.

ولأن أبو تريكة حاضر في كثير من قضايا غزة، بل عندما هاجم الألمان وغيرهم قطر في تنظيم كأس العالم، حين رفضت قطر رفع أعلام للمثلية، دافع أبو تريكة عن هذا الموقف، ليس دفاعًا عن بلد يقيم فيه، ولكنه دفاع عن قيم لا يختلف عليها عاقل، أو صاحب مبدأ، فضلًا عن مسلم ملتزم بدينه.

كما أن مثل هذه المواقف تعري من يخرجون في الإعلام ليل نهار، ومواقفهم معادية لقضايا أمتهم، وتصطف مع الصهاينة بشكل فج، فالهجوم على أبو تريكة هو هجوم على توجه يمثله، وليس على شخصه فقط، فهناك شق يتعلّق بشخصه، وشق يتعلّق بتوجهه، ولذا ستجد -غالبًا- المنابر ذاتها والأصوات نفسها التي تهاجم أبو تريكة وتحرض عليه، هي منابر سخرت أصواتها منذ معركة غزة، على المقاومة، وعلى جل حواضنها الشعبية والرسمية.

المصدر : الجزبرة مباشر